هيبة الجلال
بعد أن تدرجنا من حضور القلب إلى الفهم ودخلنا في شعور الرجاء .. نريد أن نعادل الرجاء بشعور آخر وهو شعور الهيبة .. كان علي بن أبى طالب رضي الله عنه إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلوّن وجهه، فيقال له ما بك؟، فيقول "جاء والله وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملتُها أنا" ... لقد كانت صلاتهم تختلف عن صلاتنا، لأن مشاعرهم تختلف عن مشاعرنا .. ونحن نريد أن نزيد من عبادتنا القلبية، لنتلذذ بالصلاة أكثر ...فما الفرق بين الخوف والخشية والهيبة؟
فالهيبة نوع من أنواع الخوف ..والفرق بينهم كما ذكر ابن القيم رحمه الله: الخوف .. هو الهروب من المخوف منه ..أما الخشية .. هي خوف ولكن مع علم، فإذا زاد علم العبد بربه صار خوفه خشية .. قال تعالى {....إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء...} [فاطر : 28]أما الهيبة .. فهي خوفٌ مع علم وتعظيم ... وهي أعلى مراتب الخوف.مثلاً: أنت تخاف من النار ولكنك لا تهابها لأن خوفك سببه الإيذاء وليس التعظيم، أما والدك فأنت تهابه لأن شعورك تجاهه عبارة عن خوف مع تعظيم ..
كيف نجمع بين الخوف والرجاء؟
هذا أمرٌ سهل .. فنحن نجمع بين الخوف والرجاء عندما نتعامل مع المخلوقات، فكيف لا نجمع بينهما في تعاملنا مع الخالق؟؟ألا ترى أن الرجل عندما يكون مدينًا لرجلٍ آخر، فيُقِرّ بأن عليه دين يجب أن يدفعه ولكنه يرجو منه أن يُسقط الدين، لطمعه في كرم الدائن.ولله المثل الأعلى .. أنت تعترف بذنبك، فتخاف منه وتُقِر به .. ومع ذلك ترجو كرم الكريم جل جلاله في أن يعفو عنك.وكل شيء إذا خفته تفر منه إلا الله تعالى، فالله تعالى إذا خفته فررت إليه . . قال تعالى {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ....} [الذاريات : 50]كان النبي صلى الله عليه و سلم يدعو فيقول ".. لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك .." [رواه أبو داوود وصححه الألباني]ومن دعائه أيضًا : "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"[رواه مسلم] .. قال ابن القيم "ولا يعلم مافي هذه الكلمات من التوحيد والمعارف والعبودية إلا الراسخون فى العلم، ولو استقصينا شرحها لخرجنا بكتاب ضخم .. ولكن إن دخلت ـ فى هذا العلم ـ رأيت ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"ويقول رحمه الله "هيبة الجلال هي أقصى درجة يشار إليها فى غاية الخوف، وربنا سبحانه له هيبة عظيمة لا يعلمها إلا من هزته تلك الهيبة"هيبة لا تقاربها هيبة .. والذي يقف بين يديه يشعر بها بوضوح،،
والخوف من الله يزيد فى قلب العبد لسببين: 1) علم العبد بربه .. بعلمه أن الله عز وجل عظيم وذو كبرياء وجبروت، فلا ينبغي أن يُعصى أو يُخَالف، فكل شيء تحت قهره وسلطانه ..فمن أنا وأنت حتى نخالف أمر الله؟!!
ولهذا فإن الله يهُز عباده ويقول لهم { مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً }[نوح : 13]، ويقول لهم {....وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ.....} [ آل عمران : 28 ]2) علم العبد بنفسه .. فإن الإنسان أدرى بأفعاله وبما في قلبه، يقول الله عز وجل { بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } [القيامة : 14] .. وعلى الرغم من درايته بمعاصيه، ففي كل مرة يؤخر التوبة .. وإلى الآن لم يتب بعد .. والله عز وجل لو أهلك العباد لأهلكهم جميعًا وهو لا يبالي بهم، يقول الله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)} [فاطر]وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ إذا ظهرت المعازف والقينات واستحلت الخمر" [صحيح الجامع (3665)]أخي الكريم، لا يغرنّك حلم الله عليك وستره لك وعدم عقوبته لك!!
ولتعلم إن كل الخوف مزعج ومؤلم، إلا الخوف من الله عز وجل .. فإن الحياة لا تطيب إلا به، لأنه يوصلك إلى أحلى مكان فى الكون .. يوصلك إلى الجنة ..ألا تحب أن تدخل الجنة؟!
قال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد، إنا لنصحب أقوامًا يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا تتقطع، قال: "لإن تصحب أقواما يخوفونك حتى تدرك أمنًا، خير لك من أن تصحب أقوامًا يؤمنونك حتى تدركك المخاوف"جرب أن يمتلأ قلبك بالهيبة من الله .. وستشعر بالفرق فى صلاتك،،