التنبيه الثالث :
أن من المعلوم أن رمز نافع أولُ الرموز لأنه نظمه أولا فيكون رمزه الهمزة من حروف " أبجد " وهذه الهمزة مقطوعة إلا أن الناظم رحمه الله استعملها أحيانا موصولة وأحياناً أخرى مقطوعة .
فمن استعمالاته لها مقطوعة قوله في فرش سورة القيامة :
ورا برق افتح آمنا يذرون مع *** يحبون حق كف يمنى علا علا
فقد رمز لنافع بهمزة القطع في كلمة "آمنا".
ومن استعمالاته لها موصولة قوله في باب هاء الكناية :
له الرحب والزلزال خيرا يره بها *** وشرا يره حرفيه سكن ليسهلا
فقد رمز هنا بهمزة الوصل من " الرحب " لنافع .
واستعماله لهمز الوصل بدلا من القطع مشكل جدا ؛ لأن همزة الوصل ساقطة لفظا فلم تعد بينة ، وأيضا يلزم من فعله هذا الالباس في قوله في سورة الكهف :
وفي الهمز ياءٌ عنهمُ وصحابهم ***جزاء فنون وانصب الرفع واقبلاعلى حق السدين سداً صحاب حـق الضم مفتوح ويايسين شد على
فقد يفهم من ألف "واقبلا" أنها رمز لنافع على أن الواو فاصلة كما مر معنا وهو ليس كذلك فلو تجنب استعمال همزة الوصل مكان القطع لكان أولى .
التنبيه الرابع :
أن الأصل أنه إذا اتفق راويا قارئ ما على قراءة ما فإنه يرمز لهما برمز مقرئهما فإذا اتفق مثلا قالون وورش على قراءة فإنه يرمز لهما بالهمزة التي هي رمز لأصلهما وهو نافع ولا يرمز لقالون بالباء ولا لورش بالجيم ، ولكنه أحيانا يضطره الوزن لذلك فيستعمل رموز الرواة بدلا من استعمال رمز أصلهما كقوله في سورة الكهف :
ودع ميم خيرا منهما حكم ثابت *** وفي الوصل لكنا فمد له ملا
فاللام من "له " رمز لهشام والميم من " ملا " رمز لابن ذكوان وكلاهما يرويان عن ابن عامر فكان يكفيه أن يأتي بالكاف التي هي رمز لابن عامر ويستغني بها عن رموز رواته ولكن اضطره إتمام البيت إلى ذلك وترك الأصل .
التنبيه الخامس :
أنه إذا اتصل شيء من هذه الحروف بضمير قراء تقدم ذكرهم لم يكن ذلك رمزا ، وكان الضمير كالمصرح به من أسمائهم ، ومن حكمه أن المصرح به لارمز معه كقوله في فرش سورة البقرة :
وصية ارفع صفو حرميه رضا ** ويبصط عنهم غير قنبل اعتلى
فالعين من " عنهم " ليست رمزا ، وإنما أراد بـ " عنهم " أن من ذكرهم في الشطر الأول الذين قرؤوا (( وصية )) بالرفع قد روي عنهم القراءة بالصاد في (( يبصط )) غير قنبل منهم .
أما إذا اتصل بهذه الأحرف ضمير غير راجع إلى أحد من القراء السابق ذكرهم فإن الحرف حينئذ يكون رمزا كقوله في باب هاء الكناية :
له الرحب والزلزال خيرا يره بها ** وشرا يره حرفيه سكن ليسهلا
فاللام من قوله " له " رمز لهشام ؛ لأن الضمير المتصل بها لم يعد على أحد القراء السابقين .
التنبيه السادس :
أنه قد جاء في مواضع ألفاظٌ تصلح لأن تكون رمزا وليست برمز في مراده . وذكر أبو شامة أنه بين تلك المواضع في باب المد والإمالة والزوائد وفي بعض فروش السور . وفي باب البسملة موضعٌ أراده الناظم رمزا ولم يوافقه أبو شامة على ذلك .
وهذا التنبيه الذي ذكره أبو شامة هنا هو أهمها وهو المشكل حقا خاصة لمن يقرأ من بعض نسخ الشاطبية الغير مميزة للرموز عن غيرها ،
وأذكر هنا مثالا نبه عليه في باب المد :
ووسطه قوم كآمن هؤلا ***ء آلهة اتى للايمان مثلا
وقد أراد الناظم بهذا بعد أن ذكر قبل هذا البيت وجه القصر والإشباع لورش عند مد البدل أن يذكر الوجه الثالث لورش وهو التوسط ولكنه أوهم بقوله "قوم" أن القاف رمز لخلاد فيكون عليه قد شارك ورشا في هذا الوجه ،وهذا غير صحيح ولم يرده .
ومما زاد الوهم أنه قد استعمل " قوم " لخلاد بقوله وفي باب هاء الكناية :
وعنهم وعن حفص فألقهْ ويتقهْ
حمى صفوه قوم بخلف وأنهلا
لذلك عدَّل الجعبريُّ هذا البيت في كنز المعاني ((1)) فقال :
** ووسطه بعض كآمن هؤلا **
لكن ضبط تضبيطه هذا ملا علي قاري في الضابطية ((2)) بقوله :
** ووسطه جمع كآمن هؤلا **
لأن " بعض " موهمة أيضا بالرمز لقالون ،وأما " جمع " فلا إشكال حتى لو كانت رمزا لأنها حينئذ ستكون لنفس ورش .
وأحسن من هذا تعديل أبي شامة بقوله :
** وبالمدة الوسطى كآمن هؤلا **
وليس المقصود هنا تعديل هذا البيت وإنما المقصود التمثيل به على المشتبهات .